مؤشر النزاهة البحثية (RI²) - قراءة في واقع البحث العلمي في الجامعات ورؤى التحسين الأستاذ الدكتور عبدالوهاب عبدالله المعمري
https://doi.org/10.5281/zenodo.16031863
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن البحث العلمي ومؤشر النزاهة البحثية في الجامعات، وهو موضوع يهم الجامعات الوطنية والعربية والعالمية، وخاصة في ظل ما يتم تداوله من روايات لخروقات أو ممارسات محل نقد في بعض الحالات، ومع التركيز على أهمية البحوث المنشورة في مجلات ذات تصنيف دولي وعلاقته بتصنيف الجامعات.
وفي البداية من المفيد توضيح المقصود بمؤشر النزاهة البحثية:
"RI2" (Research Integrity Risk Index – RI²)
وللتوضيح فالمؤشر هو أداة تحليلية حديثة طوّرها الدكتور لقمان مهو (Lokman I. Meho) من الجامعة الأمريكية في بيروت عام 2025، بهدف قياس مدى التزام الجامعات بالنزاهة الأكاديمية في البحث العلمي.
ويهدف هذا المؤشر إلى:
• تسليط الضوء على المخاطر الأخلاقية في النشر الأكاديمي.
• تحفيز الجامعات على تحسين سياسات الرقابة والشفافية.
• توفير أداة تشخيصية تساعد الجهات المانحة والباحثين على تقييم المؤسسات من منظور النزاهة.
حيث يصنف الجامعات وفق مستوى المخاطر المتعلقة بمصداقية أبحاثها العلمية، وذلك من خلال خمسة مستويات تبدأ من “آمن ومنخفض الخطورة” وتنتهي بـ ”خطر كبير” مميز باللون الأحمر.
ومن المهم التأكيد بأن مؤشر النزاهة البحثية لا يُعنى بالتصنيف الأكاديمي الشامل للجامعات، ولا يقيس جودة التعليم أو حجم الإنتاج العلمي فقط، بل يركّز على معيار محدد ودقيق: نسبة الأبحاث التي تم سحبها (retracted) بعد نشرها في مجلات علمية. وتُسحب الأبحاث عادة لأسباب تتعلق بانتحال أو تكرار أو تزوير أو تضليل في البيانات أو عدم الالتزام بأخلاقيات البحث. وبالتالي، فإن الجامعة التي تُسحب منها أبحاث بنسبة مرتفعة أو بتسارع لافت خلال فترة زمنية قصيرة، تُدرج ضمن فئات الخطر في المؤشر، بغض النظر عن مكانتها الأكاديمية أو ترتيبها في التصنيفات الأخرى. وقد يكون لجامعة ما إنتاج علمي ضخم، ومعه احتمالية أكبر لظهور حالات سحب فردية لا تعبر عن توجه عام. كما أن المؤشر لا يميّز، بالضرورة، بين السحب لأسباب فنية غير مقصودة، والسحب بسبب الاحتيال العلمي الصريح، مما يستدعي قراءة متأنية للبيانات لا مجرد اعتماد على الترتيب الرقمي.
وهذا لا يعني أن المؤشر ليست له أهمية بل هو مهم كونه لا يُعد مجرد أداة تصنيف، بل خطوة إصلاحية جادة تهدف إلى: كشف التجاوزات في النشر الأكاديمي، وفرض الرقابة وتحقيق الشفافية، واستعادة أخلاقيات البحث العلمي. وهذا يسهم في إعادة توجيه الجامعات نحو الجودة الأكاديمية الحقيقية المبنية على الدقة والمصداقية.
تصنيف المؤشر بالألوان:
المؤشر اللون التصنيف
≥ 0.251 الأحمر خطر كبير
0.176 - 0.251 البرتقالي خطر مرتفع
0.099 – 0.176 الأصفر تحت المراقبة
- 0.049 0.099 الأخضر وضع طبيعي
< 0.049 الرمادي آمن ومنخفض الخطورة
* وقد اعتمد المؤشر على عدد البحوث التي نُشرت في مجلات ذات جودة ضعيفة أو تم إزالتها من قواعد البيانات العالمية مثل Scopus أو Web of Science، أو التي تُصنف كمجلات “مفترسة”.
* يُنبه المؤشر لخطر النشر في مجلات محذوفة Delisted Journal Risk)).
وقد أظهرت نتائج مؤشر ( (RI²بروز جامعات من دول مثل الهند، وباكستان، والصين، وبعض الدول العربية في فئة الخطر الكبير، وهو ما يُشير إلى تحديات كبيرة في نزاهة أبحاثها.
ويمكن الاستفادة من هذه النتائج لإصلاح منظومة البحث في الجامعات، وذلك من خلال الآتي:
1- تفعيل الرقابة المؤسسية وضبط معايير النشر العلمي داخل الجامعات، لضمان جودة الإنتاج الأكاديمي.
2- إعادة النظر في اعتماد المجلات المصنفة تحديداً في قواعد بيانات Web of Science و Scopus دون الحاجة لمراجعة البحوث، مما يعطي هذه الفهارس دعماً كبيراً بدون مقابل يستفيد منه الباحث العربي.
3- توخي الدقة والمصداقية في البحث العلمي وعدم الاكتفاء بمجرد ظهور البحث في قواعد البيانات المشار إليها، وخاصة أن نسبة معتد بها من المجلات المصنفة فيها تنشـر مقابل الأموال بدون مراجعة.
4- العمل على إيجاد تصنيف عربي للمجلات العلمية الرصينة ودعمها، مع ضرورة استخدام المجلات المحكمة المحلية لمنصات إلكترونية تضمن سير عملية تحكيم موثقة، وكشف الانتحال.
5- بناء القدرات المحلية للمحكمين من خلال دورات تدريبية مستمرة حول المعايير الدولية مثل: COPE.
وفي الختام يمكن القول أن مؤشر النزاهة البحثية (RI²) هو دعوة لإعادة تقييم المنظومة الأكاديمية، والانتقال من الكمّ إلى الكيف، ومن السباق في عدد الأبحاث إلى ضمان نزاهتها، وجودتها، وتأثيرها.
الأستاذ الدكتور عبدالوهاب عبدالله المعمري
17/ 07/ 2025